كشفت أزمة تفشى وباء الكورونا كثيرا من الجوانب الأخلاقية والمعرفية والحضارية التى تعاملت بها الدول والحكومات والأفراد مع الأزمة، ومما لا شك فيه أن الأبعاد الحضارية والمعرفية تتحكم بشكل كبير فى ردود الأفعال ويظهر هذا جليا فى الأزمات والنوازل التى تحد من قدرة الإنسان على التجمل فى الكلام أو التفكير مليا فيما يقول، جاءت أزمة كورونا فأظهرت لنا وهم الحضارة المادية والقوة العسكرية والتفوق الاقتصادى الذى تصور أصحابه وهما وخطأ أن تلك هى الحضارة الحقيقية حتى لهث العالم كله فى التنافس فيها والتسارع نحوها ولو على حساب إهدار جوانب أخرى أخلاقية وروحية، فقد جاءت التصريحات والمواقف الغربية معبرة عن الأزمة الروحية والأخلاقية التى يعيشها العالم الغربى منذ أمد بعيد، تصريحات بعض المسؤوليين فى دول عظمى كانت تدعو الناس إلى اليأس وانقطاع الأمل والرجاء فى النجاة ودعت الناس فى قمة الأزمة للاستعداد للموت وتوديع الأهل والأصحاب، وسمعنا عن دول تستولى بكل سافر وقرصنة واضحة على مساعدات طبية وأجهزة تنفس وكمامات كانت مرسلة لدول أخرى منكوبة، وعلى الجانب الآخر جاءت تصريحات المسؤولين المصريين وعلى رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسى مفعمة بالرحمة باعثة بالأمل ممتلئة بالثقة فى الله تعالى وبث روح الأمل والطمأنينة والثقة فى نفوس المصريين، وأكد سيادته على أننا سنخرج بإذن الله تعالى من الأزمة على الرغم من شدتها أقوى وأرحم وأفضل، وصحيح أن الرئيس قد أعلن عن حزمة من الإجراءات المشددة والقوانين الصارمة التى من شأنها أن تساعد فى التقليل من فرص الإصابة والخطر، وتلا ذلك إعلان دولة رئيس الوزراء لحزمة من القرارات المشددة كان على رأسها فرض حظر تجول جزئى، وتعليق بعض الأنشطة الترفيهية وإيقاف الرحلات الجوية، وكان التأكيد من فخامة الرئيس والمسؤوليين على عدم النظر إلى أية خسائر اقتصادية أو مادية والإعلان عن مساعدات للمتضررين من أصحاب المهن المؤقتة والدخول الضعيفة، عاكسا لأهمية الإنسان وسلامته وروحه وأمنه وصحته فى عقل وقلب الرئيس السيسى حفظه الله تعالى، وكان فى صدق الدعاء المخلص لله تعالى الذى ختم به الرئيس خطابه أن ينجينا الله تعالى من البلاء والوباء أعمق الأثر فى نفوس المصريين جميعا وطمأنة قلوبهم وشحذ هممهم لمساعدة الدولة بالالتزام بكل التعليمات والقوانين، فالدولة إذن لم تلق عبء الأزمة كلها على المواطن، ولكنها أكدت على ضرورة التعاون والتكاتف لأجل تقليل الخطر وعبور الأزمة، كذلك فإن المواطن المصرى أيضا لم يلق عبء الأزمة كلها على الدولة وحتى أصحاب الدخول الضعيفة والعمل المؤقت تفهموا أهمية الإجراءات والقرارات التى من شأنها أن تضيق عليهم وتحد من حركتهم وقدرتهم على الكسب والعمل، لقد ظهرت منظومة متكاملة نابعة من القيم الإسلامية والحضارية التى عكست مظاهر الرحمة والتعاون وتحمل المسؤولية والتكافل الاجتماعى والصلة بالله تعالى، قيم أخلاقية وحضارية توقفنا على مدى الفرق الهائل بين القيم النابعة من الحضارة المادية الغربية وبين القيم الأخلاقية النابعة من الحضارة المادية، لقد تحدث الفيلسوف الفرنسى رينيه جينو عن مدى الخطر الداهم الذى تهوى فيه الحضارة الغربية القائمة على الثقة بالقوة الاقتصادية والمادية والعسكرية، والتى أهملت جانب الروح والأخلاق، مما دفعه إلى اعتناق الإسلام وسلوك سبيل التصوف، والانشغال طيلة حياته بالتأسيس للنموذج المعرفى الإسلامى القائم على الأخلاق والرحمة، وتلك المعانى الحضارية ظهرت جلية فى خطاب الرئيس السيسى فى قمة الأزمة التى لم يشهد تاريخنا مثلها أبدا كان التركيز فى خطاب الرئيس على أهمية الإنسان وسلامته وروحه وهو ما أصل له علماء الإسلام على مر التاريخ، من أن الإنسان قبل البنيان، وأن الساجد قبل المساجد، وأن كل خسارة مادية واقتصادية قابلة للتعويض إلا نفس الإنسان وروحه، كان خطاب الرئيس مفعما بالإيمان والصدق والإخلاص، وهذه المواقف ليست جديدة فى خطابات وكلمات الرئيس لكنها لفتت الأنظار بقوة فى هذه الأزمة، ونحن نرجو أن تسود بيننا جميعا تلك القيم الأخلاقية والحضارية التى دعا إليها وتمسك بها فخامة الرئيس، فيجب علينا نشر قيم الرحمة والتعاون والالتزام والأخذ بالأسباب وتنفيذ التعليمات الصحية وتطبيق القانون والصبر على ذلك والرضا به حتى نعبر الأزمة ونتعلم منها ونخرج منها أقوى، سوف يتغير وجه العالم كما ذكر الرئيس السيسى فعالم ما قبل الكورونا مختلف عن العالم بعدها، وسوف تعلو قيم الأخلاق والرحمة على القيم المادية التى وقفت عاجزة تماما عن إنقاذ شعوبها بشكل صحيح، ويا ليت الذين انبهروا بالنموذج المعرفى المادى وتسارعوا إليه وظنوا أن الحياة مادة أن يكونوا قد وقفوا على حقيقة الأمر وهى أن الكون كله ملك لله تعالى وأنه هو القاهر فوق عباده، وأن القيم الروحية والأخلاقية أهم وأبقى من القيم المادية، فالمادة مجرد سبب مأمرون أن نأخذ به ولكن لا نعتقد فيه ولا نثق به، وإنما اعتقادنا وثقتنا بالله تعالى، وإذا التزمنا بقيمنا الحضارية والأخلاقية التى انعكست فى خطاب الرئيس فلن يكون بيننا مستهتر ولا محتكر ولا مستغل ولا خائن ولا عميل، سنكون بإذن الله تعالى على قدر المواقف وأقوى من الأزمات، وإن يد الله مع الجماعة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة